الخميس، 1 سبتمبر 2011

طبيب التخدير مايسترو في غرفة العمليات الجراحية







كيف تدخل غرفة العمليَّات الجراحية من دون خوف؟


يعتبر التخدير من أكثر فروع الطب إنسانية لأنه يخفف من آلام البشر، وطبيب التخدير «مايسترو» في غرفة العمليات الجراحية يُطمئن المريض على وجوده في هذا المكان المغلق على أسراره. في كتابه «التخدير» يصحبنا د. كمال سالم عوض في رحلة إلى داخل غرفة العمليات ويفسِّر لنا كيف يبذل طاقم الجراحة طاقته في تعاون وتناغم للتخفيف من آلام الناس.

يؤكد د. عوض أن طبيب التخدير هو قائد سفينة العمل في غرفة العمليات وتقع على عاتقه مسؤولية الأخذ بيد المريض ومراقبته بدقَّة طوال ساعات الجراحة الى أن يصل إلى شاطىء النجاة ويخرج إلى الحياة مرة أخرى مُعافى. كذلك يُحمّله الجميع مسؤولية حماية هذا المريض الذي يفقد الوعي والإرادة والقدرة، وتصبح سلامته مرهونة بمدى نجاح الطبيب في إتمام خطوات التخدير بكفاءة عالية.


إعداد الحجرة

قبل دخول المريض إلى غرفة العمليات يُعدّ المكان لاستقباله، فيعمل الجميع في تناسق شديد لإعداد الحجرة للضيف العزيز عبر فحص أنظمة الغازات المستعملة، ضبط عوامل البيئة من درجة الحرارة والرطوبة والتهوئة، مراجعة الوصلات الكهربائية داخل الغرفة.
في هذا السياق، يشير د.عوض الى «وجود غازات كثيرة يعتمد عليها العمل الجراحي وتساهم في تخدير المريض، أبرزها الأوكسيجين، ثاني أكسيد النيتروز، النيتروجين والهواء. كذلك تساعد أجهزة الشفط في سحب السوائل من موضع الجراحة أو تنقية المجاري التنفسية مما يتجمع فيها أثناء فترة التخدير».
يدرس طبيب التخدير هذه الغازات جيداً ويدرك تماماً صفاتها وكيفية استخداماتها ويكون على درجة فائقة من اليقظة ليدرك سريعاً أدنى خلل في نظام نقلها الى غرفة العمليات أو حدوث تسرب من التوصيلات، وبالطبع يراجع الكميات المتوافرة من كل غاز. ويعتبرالأوكسيجين أبرز هذه الغازات على الإطلاق، فهو سر الحياة ويعدّ فقدانه في غرفة العمليات مغامرة تكلِّف المريض حياته. ومن المنطق أن يمتلك طبيب التخدير مصدراً إضافياً (طوارئ) له لمواجهة أي عطب في نظام إمداد هذا الغاز، اذ تصل مجموعة الغازات إلى غرفة العمليات من الخزانات الخاصة أو الاسطوانات عبر شبكة من الأنابيب النحاسية ويُطلى كل أنبوب بلون خاص يميز الغاز الذي ينقله. تتسم أجهزة التخدير بفتحات خاصة لاستقبال الغازات، تحمل كل فتحة لون الأنبوب الذي ينقل الغاز نفسه، وهذه الألوان مُتفق عليها عالمياً كي لا يحدث خلط في إيصال الغازات.


خطَّة التخدير

تُؤسَّس خطة التخدير بناءً على قدر هائل من المعلومات التي تعرض على طبيب التخدير أو يبحث هو عنها، ويترجم كل ما يتلقاه من المريض والجراح ومختبرات التحليل ومراكز الأشعة إلى خطة واضحة. يفحص المريض عضوياً ويسأله عن تاريخه التخديري وما إذا كان تلقى تخديراً من قبل وكيف كانت التجربة، وما نوع الأمراض المزمنة التي يُعالج منها ونوع الأدوية التي أُعطيت له، كذلك يسأله عن الحساسية بشتى أنواعها وصورها ويهتم بفحص المجرى الهوائي والرقبة والفم.
كذلك يطمئن إلى عدم وجود أي علامات لاعتلال القلب أو مشاكل في الشرايين التاجية أو ذبحة صامتة أو اضطراب في الضربات.
ويمثل الجهاز التنفسي أهمية كبرى بالنسبة الى طبيب التخدير والخطأ في هذا المكان غير قابل للعلاج. تحدث معظم كوارث التخدير نتيجة سوء إدارة العملية التنفسية وعدم القدرة على مواجهة المشاكل التي تظهر فجأة خلال التخدير.
كذلك يهتم بمعرفة نسبة السكر في دم المريض ونوع العلاج الذي يتلقاه. ويكون أحد أهداف الخطة التخديرية المحافظة قدر المُستطاع على تركيز السكر ومنعه من الهبوط أو الإفراط في الزيادة، ولا يغفل دور مرض السكري في تصلب الشرايين وجلطة القلب الصامتة، ويفحص الغدة الدرقية ويقيّمها، كذلك يمنح المزيد من اليقظة للمرضى الذين يتعاطون عقار الكورتيزون لفترات طويلة.
يهتم طبيب التخدير بالكلى أيضاً، لأنها العضو الذي يُحدد الأدوية التي ستحقن للمريض وينظم سوائل الجسم، وتتوقف على كفاءتها كمية التحاليل التي يحتاجها المريض واختيار العقاقير، فيبتعد عن الأدوية التي يتخلص منها الجسم عن طريق الكلى في حال تدهور وظائفها. كذلك لا بد من العناية بالكبد، العنصر المهم في التخلص من الأدوية وعمليات التجلط والنزف.
يعتبر طبيب التخدير المريض أهم إنسان في الكون طالما يرقد على طاولة العمليات وهو على استعداد تام لإنقاذه من الخطر مهما كانت التضحيات.


المناخ الملائم للجراحة

يعمل طبيب التخدير على ضبط عناصر المناخ داخل غرفة العمليات، بما يضمن السلامة للمريض ولا يزعج فريق العمل، الذي يعمل ساعات طويلة حول طاولة الجراحة في مساحة ضيقة وفوق رؤوس أعضائه كشافات كهربائية ضخمة تجعلهم يغرقون عرقاً حتى لو كان الجو في الخارج شديد البرودة، ما يوقع الطبيب في حيرة بين حاجة المريض وراحة الجراحين.
في هذه الحال، تُضبط نسبة الرطوبة داخل الغرفة، فتكون حوالى 50 % على الأقل. كانت هذه المهمة حيوية في العقود الماضية، عندما كانت غرفة العمليات مكاناً مغلقاً على أسراره لا تجلب سوى الخوف، بسبب هذا الاعتقاد الخرافي لا يجد طبيب التخدير سوى وجوه متقلصة من الخوف وشفاه مرتعشة ورغبات عارمة في عدم الدخول إلى هذا المكان المُوحِش.
في هذا المجال يؤكد د. عوض أن طبيب التخدير يجب أن يكون على درجة كبيرة من الانتباه والوعي في مراحل التخدير كلها، ويتسلح بخطط مختلفة لإدارة الحالة، مع القدرة الفائقة على التنقل من خطة إلى أخرى، حسبما تقضي الأمور ويُستجد من أحداث قد لا تكون منتظرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق